سؤال 599 من 4276
(١) كان في بغداد رجل اسمه أبو القاسم الطنبوري، وكان له مداس يلبسه سبع سنوات، وكان كلما تقطع منه موضع جعل مكانه رقعة إلى أن صار في غاية الثقل، وصار الناس يضربون به المثل.(٢) فاتفق أنه دخل يومًا سوق الزجاج فقال له سمسار: يا أبا القاسم؛ قد قدم إلينا اليوم تاجر من حلب، ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد، فاشتره منه وأنا أبيعه لك بعد هذه المدة فتكسب فيه المثل مثلين فمضى فاشتراه بستين دينارًا. ثم إنه دخل إلى سوق العطارين فوجد سمسارًا آخر وقال له يا أبا القاسم: قد قدم إلينا اليوم من نصيبين تاجر ومعه ماء ورد ولعجلة سفره يمكن أن تشتريه منه رخيصًا وأنا أبيعه لك فيما بعد بأقرب مدة؛ فتكسب به المثل مثلين! فمضى أبو القاسم و اشتراه أيضًا بستين دينارًا أخرى و ملأ به الزجاج المذهب و حمله، و جاء به فوضعه على رف من رفوف بيته في الصدر.(٣) وفي يوم جاء أبو القاسم إلى الحمام ليغتسل فقال له أحد أصدقائه: يا أبا القاسم، أشتهي أن تغير مداسك هذا؛ فإنه في غاية الشناعة وأنت ذو مال بحمد الله. فقال له أبو القاسم: الحق معك فالسمع والطاعة. ثم إنه خرج من الحمام ولبس ثيابه فرأي بجانب مداسه مداسًا آخر جدايدًا؛ فظن أن الرجل من كرمه اشتراه له فلبسه ومضى إلى بيته وكان هذا المداس الجديد للقاضي و قد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام ووضع مداسه هناك فلم يجده عندما خرج، فقال: أمن لبس حذائي لم يترك شيئًا عوضًا عنه؟ ففتشوا فلم يجدوا سوى مداس أبو القاسم؛ فعرفوه لأنه كان يضرب به المثل. فأرسل القاضي خدمه فكبسوا بيته فوجدوا مداس القاضي عنده؛ فأحضره القاضي و ضربه تأديبًا له، وحبسه مدة، وغرمه بعض المال وأطلقه.(٤) خرج أبو القاسم من الحبس وأخذ حذاءه وهو غضبان، ومضى إلى دجلة فألقاه فيه فغاص في الماء، فأتى بعض الصيادون فرمى شبكته فطلع فيها؛ فلما رآه الصياد عرفه أنه وقع منه في دجلة فحمله وأتى به إلى بيت أبي القاسم فلم يجده فنظر فرآى نافذة إلى صدر البيت فرماه منها إلى البيت فسقط على الرف الذي فيه الزجاج فوقع وتكسر الزجاج وتندد ماء الورد. فجاء أبو القاسم ونظر إلى ذلك فعرف الأمر؛ فلطم وجهه وصاح يبكي فقال: وافقراه أفقرني هذا المداس الملعون.(٥) ثم إنه قام ليحفر له في الليل حفرة ويدفنه فيها ويرتاح منه؛ فسمع الجيران حس الحفر فظنوا أن أحدًا ينقب عليهم فرفعوا الأمر إلى الحاكم فأرسل إليه وأحضره وقال له: كيف تستحل أن تنقب جيرانك الحائط؟ وحبسه ولم يطلقه حتى غرم بعض المال.(٦) ثم خرج من السجن وهو حَردَان من المداس وحمله إلى كنيف الخان ورماه فيه فسد قصبة الكنيف ففاض وضجر الناس من الرائحة الكريهة وبحثوا عن السبب فوجدوا مداسًا فتأملوه فإذا هو مداس أبي القاسم فحملوه إلى الوالي وأخبروه بما وقع فأحضره الوالي ووبخه وحبسه وقال له: عليك تصليح الكنيف فغرم جملة مال، وأخذ منه الوالي مقدار ما غرم تأديبًا له وأطلقه.(٧) خرج أبو القاسم و المداس معه وقال وهو مغتاظ منه: والله ما عدت أفارق هذا المداس أبدًا ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجف، فرآه كلب فظنه رمة فحمله وعبر به إلى سطح آخر فسقط من الكلب على رأس رجل فآلمه وجرحه جرحًا بليغًا فنظروا وفتشوا لمن المداس فوجدوا أنه لأبي القاسم فرفعوا الأمر إلى الحاكم؛ فألزمه بالعوض والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه.(٨) فنفذ عند ذلك جميع ما كان له ولم يبق عنده شيء. ثم إن أبا القاسم أخذ المداس ومضى به إلى القاضي وقال له: أريد من مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا المداس مباراة شرعية على أنه ليس مني ولست منه، وأن كلًا منا بريء من صاحبه، و أنه مهما يفعله هذا المداس لا أؤاخذ به أنا، وأخبره بجميع ما جرى عليه منه فضحك منه القاضي جزله ووصله ومضى.
المزيدأسئلة مشابهة في استيعاب المقروء
تابعنا على تيليقرام واستعد لاختبارك مع أهم التدريبات والنصائح!