سؤال 1992 من 4276
(١ )إن مــن أهــم المبــادئ والممارسات التي ازدهر بها الغرب هو الأخذ بمبدأ التغليب والترجيــح, فهــم لا يدعــون الكمــال لأنفســهم ولا لأعمالهم ولا لمعارفهم أن تمركز الإنسان من أبرز أوليات الطبيعة البشرية, وأن هذا التمركز جعل الإنسان يتوهم أن الأرض هي مركز الوجود, فيعتقد أن كل الأفلاك تدور حولها, ثم اتضح له بعد آلاف السنين أن هذه الأرض ليست سوى هبّة في هذا الكون المذهل, وكلما تقدمت علوم الإنسان اكتشف المزيد من الآفاق والمنظومات الهائلة, كما أن هذا التمركز قد أوهمه بأنه مقياس الأشياء, فالنافع هو ما كان نافعًا له حتى لو كان يضر غيره, والضار هو ما كان ضاراً به حتى لو كان نافعًا لغيره, فالخير في نظره هو ما كان خيرًا بالنسبة له, والشر هو ما كان شرًا بالنسبة له, ومن هنا اعترض الملحدون على وجود الشر في الحياة وبرَّروا به إلحادهم ونسوا أن الإنسان ليس سوى خلق واحد من مخلوقات الله التي لا تُعد ولا تُحصى وأنهم والأرض التي تحملهم ليسوا سوى ذرة في هذا الوجود المدهش في اتساعه وضخامته.(٢)إن تمركز الإنسان سواء على مستوى الفرد أم على مستوى الدوائر الكبرى هو من أعمق أسباب الجهل والظلم والتخلف, فهو على المستوى البشري قد أوقع الإنسانية في أوهام كثيرة صرفته عن رؤية الكثير من الحقائق, ثم إن هذا التمركز الأولي التلقائي يتفرع إلى دوائر كثيرة مغلقة تبدأ بدائرة الفرد؛ حيث تتضخم حقوقه في نفسه كما تنتفخ في نظره مزاياه ومقابل ذلك تتضاءل الواجبات وتختفي النقائص, فهو يرى حسناته ولا يبصر سيئاته , وبالمقابل يضخِّم نقائص غيره, ويقلّل من أهمية مزاياهم, ويركز على تحقيق رغباته, ولا يرى ما يسببه هذا التركيز من أضرار بالآخرين كما أنه يتجاهل رغبات ومصالح وطموحات غيره.(٣ )وبعد دائرة تمركز الفرد حول ذاته الضيقة تأتي دائرة تمركز الأسرة في العشيرة ثم القبيلة ثم تمركز أهل القرية أو أهل المدينة ثم الإقليم في المنطقة ثم دائرة الوطن أو الإطار السياسي ثم الأقرب فالأقرب من المجتمعات, كدائرة العالم العربي ثم الدائرة الأوسع للأمة, ومن النادر أن يتخلَّص الإنسان من كل دوائر التمركز, فالرؤية الإنسانية الشاملة الخارجة عن دوائر التمركز نادرة في الناس بشكل عام, ولكنها آخذة في الاتساع والانتشار في الثقافات ذات الأفق الإنساني. (٤)وكل طبقات التمركزات المصمتة والكثيفة تقف منفردة ومجتمعة لتحجب الحقائق وتعوق العدل وتديم الجهل, وتمثل الثقافة السائدة المغلقة الإطار الجامع لكل دوائر التمركز, إن التمركز الثقافي هو العقبة الكبرى التي واجهت أنبياء الله, كما واجهت المصلحين والمفكرين ودعاة الحق والسِّلم, فالثقافة المتمركزة لا تقبل أي تغذية من خارجها, فهي في نظر ذاتها تمثل الحق المطلق أما الثقافات الأخرى فهي في نظرها الضلال المبين. وعكس كل ما سبق يأتي المنفتحون، الذين لا يدعون الكمال، ويبتعدون عن توهم الوصول إليه؛ ولذا فهم يبتغون إلى التقدم دائمًا.
المزيدأسئلة مشابهة في استيعاب المقروء
تابعنا على تيليقرام واستعد لاختبارك مع أهم التدريبات والنصائح!