سؤال 1596 من 4276

المداس كان مع أبي القاسم مدة

١-كان في بغداد رجل اسمه أبو القاسم الطنبوري، وكان له مداس وهويُلبس سبع سنين، وكان كلما انقطع منه موضع جعل مكانه رقعة إلى إن صار في غاية الثقل ؛ وصار الناس يضربون به المثل فاتفق أنه دخل يومًا سوق الزجاج ، فقال له سمسار : يا أبا القاسم قد قَدِم إلينا اليوم تاجر من حلب، ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد، فاشترِهِ منه وأنا أبيعه لك بعد هذه المدة ؛ فتكسب به المثل مثلين، فمضى واشتراه بستين دينارًا، ثم أنه دخل إلى سوق العطارين، فصادفه رجل آخر وقال له : يا أبا القاسم قد قدم إلينا اليوم من نصيبين تاجر ومعه ماء الورد ولعجلة سفره يمكن أن تشتريه منه رخيصًا، وأنا أبيعه لك فيما بعد في أقرب مدة ؛ فتكسب فيه المثل مثلين، فمضى أبو القاسم واشتراه بستين دينارًا أخرى، وملأ به الزجاج المذهب، وحمله وجاء به فوضعه على رف من رفوف بيته في الصدر، ثم أن أبا القاسم دخل الحمام يغتسل، فقال له بعض أصدقائه : يا أبا القاسم أشتهي أن تغير مداسك هذا فإنه في غايه الشناعة، وأنت ذو مال بحمد الله، فقال له أبو القاسم : الحق معك فالسمع والطاعة، ثم أنه خرج من الحمام ولبس ثيابه فرأى بجانب مداسه مداس آخر جديد فظن أن الرجل من كرمه اشتراه له، فلبسه ومضى إلى بيته وكان ذلك المداس الجديد للقاضي ؛ فقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام، ووضع مداسه هناك ودخل يستحم، ولما خرج فتش عن مداسه فلم يجده، فقال : أمن لبس حذائي لم يترك عوضَا عنه شيئًا، ففتشوا فلم يجدو سوى مداس أبا القاسم فعرفوه ؛ لأنه كان ُيضرب به المثل، فأرسل القاضي خدمه فكبسوا بيته، فوجدوا مداس القاضي عنده، فأحضره القاضي وضربه تأديبًا له وحبسه مدة وغرمه بعض المال وأطلقه، فخرج أبو القاسم من الحبس، وأخد حذائه وهو غضبان، ومضى إلى دجلة، وألقاه فيها، فغاص في الماء، فأتى بعد ذلك صياد، ورمى شبكته، فطلع فيها، فلما رآه الصياد عرفه، وظن أنه وقع منه في دجله، فحمله وأتى به إلى بيت أبي القاسم فلم يجده، فنظر فرأى نافذة إلى صدر البيت، فرماه منها إلى البيت، فسقط على الرف الذي فيه الزجاج، فوقع وتكسر الزجاج وتندد ماء الورد، فجاء أبو القاسم ونظر إلى ذلك، فعرف الأمر، وصاح يبكي، وقال : وفقراه افقرني هذا المداس الملعون، ثم إنه قام ؛ ليحفر له في الليل حفرة، ويدفنه فيها، ويرتاح منه؛ فسمع الجيران حسن الحفر ؛ فظنوا أن أحدًا ينقب عليهم ؛ فرفعوا الأمر إلى الحاكم ؛ فأرسل إليه، وأحضره، وقال له : كيف تستحل أن تنقب على جيرانك حائطهم؟ وحبسه، ولم يطلقه حتى غَرِمَ بعض المال، ثم خرج من السجن ومضى وهو حردان من المداس، وحمله إلى كنيف الخان، ورماه فيه ؛ فسد قصبة الكنيف ؛ ففاض وضجر الناس من الرائحة الكريهة، وبحثوا عن السبب ؛ فوجدوا مداسًا، فتأملوه، فإذا هو مداس أبي القاسم، فحملوه إلى الوالي، وأخبروه بما وقع ؛ فأحضره الوالي ، ووبخه وحبسه، وقال له : عليك تصليح الكنيف، فغَرمَ جُملةَ مال، وأخذ منه الوالي مقدار ما غرم ؛ تأديبًا له، وأطلقه، فخرج أبو القاسم والمداس معه، وقال - وهو مغتاظ منه - : والله ما عدت أفارق هذا المداس، ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجف، فرآه كلب، فظنه رمة فحمله، وعبر به إلى سطح آخر، فسقط من الكلب على رأس رجل، فآلمه وجرحه جرحًا بليغًا ! فنظروا وفتشوا لمن المداس؟ فعرفوا أنه لأبي القاسم، فرفعوا الأمر إلى الحاكم، فألزمه بالعوض، والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه! فنفذ عند ذلك جميع ما كان له، ولم يبق عنده شيء، ثم إن أبا القاسم أخذ المداس، ومضى به إلى القاضي، وقال له أريد من مولانا القاضي أن يكتب بين ويبن هذا المداس مباراة شرعية على أنه ليس مني ولست منه! وأن كلًا منا بريْ من صاحبه ، وأنه مهما يفعله هذا المداس لا أؤخذ به أنا! وأخبره بجميع ما جرى عليه منه؛ فضحك القاضي منه ووصله ومضى.

أسئلة مشابهة في استيعاب المقروء