سؤال 656 من 4276

من الفقرة (٣) يتضح أن معنى كلمة (الرجولة) أنها:

١) لعلَّ من أهمِّ الفروق التي تميَّز بها المسلمون في أوَّل أمرهم وفجر حياتهم عن المسلمين اليوم خُلُق الرجولة، فقد غَنِيَ العصر الأول بمن كانوا هامة الشرف وغُرَّة المجد وعنوان الرجولة، و تتجلَّى هذه الرجولة في نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهرَه الله أو أَهلك فيه ما تركته"، كما تتجلَّى في أعماله وفي أدوار حياته، فحياته كلها -صلى الله عليه وسلم- سلسلة من مظاهر الرجولة الحقَّة، وهيام بمعالي الأمور وترفع عن سفاسفها.٢) وتاريخ الصحابة ومَنْ بعدهم مملوء بأمثله الرجولة، فأقوى مميزات عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه كان رجلًا لا يُراعي في الحق كبيرًا ولا يمالئ عظيمًا أو أميرًا، وكان ينطق بالجمل في وصف الرجولة فتجرى مجرى الأمثال، كان يقول: "يعجبني من الرجل إذا سِيم خطة ضيمٍ أن يقول لا بملء فيه"، ويضع البرامج لتعليم الرجولة، ويضع الخطط لتمرين الولاة على الرجولة، ويعلّمهم كيف يسوسون الناس: "لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تبقوهم في أرض العدو فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم".٣) أريد بالرجولة في الإنسان صفة جامعة لكل صفات الشرف :من اعتداد بالنفس، واحترام لها، وشعور عميق بأداء الواجب مهما كلَّفه من نصب، وحماية لما في ذمته من أسرة وأمة ودين، وبذل الجهد في ترقيتها والدفاع عنها والاعتزاز بها وإباء الضيم لنفسه ولها. وهي صفة يمكن تحقيقها مهما اختلفت وظيفة الإنسان في الحياة، فالعالم الرجل من أدَّى رسالته لقومه عن طريق علمه، فهو أمين على الحق، لا يفرح بالجديد لجدَّته ولا يكره القديم لقدمه، له تقديس للحقيقة صادفت هوى الناس أو أثارت سخطهم، جلبت مالًا أو أوقعت في فقر، يُفضّل قول الحق وإن أهين على قول الباطل وإن كُرِّم. والتاجر الرجل من يخدم وطنه بأمانته في تجارته وسمته الذي يدل على خلقه، فيخدم وطنه وأمته من خلال تجارته، ولا يظلم في وزن أو كيل، الغش لا يعرف طريقه، فسمته العدل بين الناس في بيعه وشرائه.٤) والصانع الرجل من بذل جهده في صناعته، فلم يشأ إلَّا أن يصل بصناعته إلى أرقى ما وصلت إليه في العالم، يشعر بأنَّه وطني في صناعته كوطنية السياسي في سياسته، وأنَّ أمته تُخدم من طريق الصناعة كما تُخدم من طريق السياسة، وأنَّ الصناعة لا تقلُّ في بناء المجد القومي عن غيرها من شؤون الدولة، وفي الرجولة مُتّسعٌ للجميع، فالزارع في حقله قد يكون رجلًا، والتلميذ في مدرسته قد يكون رجلًا، وكل ذي صناعة في صناعته قد يكون رجلًا، وليس يتطلب ذلك إلَّا الاعتزاز بالشرف وإِبَاء المذلة.

أسئلة مشابهة في استيعاب المقروء