سؤال 551 من 4276
١-لعل من أهم الفروق التي تميز المسلمين في أول أمرهم وفجر حياتهم عن المسلمين اليوم (خلق الرجولة)،) فقد غني العصر الأول بمن كانوا هامة الشرف وغرة المجد وعنوان الرجولة، و تتجلى هذه الرجولة في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته". كما تتجلى في أعماله وفي أدوار حياته، فحياته كلها سلسلة من مظاهر الرجولة الحقة، والبطولة الفذة، إيمان لا تزعزعه الشدائد وصبر على المكاره وعمل دائب في نصرة الحق، وهيام بمعالي الأمور وترفع عن سفاسفها (حفيرها) حتى إذا قبضه الله إليه لم يترك ثروة كما يفعل السلطان ولم يخلف أعراضا زائلة كما يخلف الملوك والأمراء، وإنما خلف مبادئ خالدة على الدهر، كما خلف رجالا يرعونها وينشرونها ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم من اجلها. ٢-وتاريخ الصحابة ومن بعدهم مملوء بأمثلة الرجولة، فأقوى مميزات (عمر بن الخطاب) أنه كان (رجلا) لا يراعي في الحق كبيرا ولا يمالئ عظيما أو أميرا، يقول في إحدى خطبه: أيها الناس إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق له. وينطق بالجمل في وصف الرجولة، فتجرى مجرى الأمثال، كان يقول: "يعجبني من الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول: (لا) بملء فيه"، ويضع البرامج لتعليم الرجولة، فيقول: "علموا أولادكم العوم والرماية ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا ورووهم ما يجمُلُ من الشعر"، ويضع الخطط لتمرين الولاة على الرجولة، فيكتب إليهم:"اجعلوا الناس في الحق سواء، قريبهم كبعيدهم وبعيدهم كقريبهم، إياكم والرِّشا والحكم بالهوى وأن تأخذوا الناس عند الغضب"، ويعلمهم كيف يسوسون الناس، فيقول: "لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم، ولا تبقوهم في أرض العدو فتفتنوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض- الشجر الكثيف الملتف، والمراد بها هنا لا تنزلوهم الأماكن التي تذهب بخشونتهم أو تجلب لهم المرض لكونها غير صحية- فتضيعوهم"، من أجل هذا كله كان هذا العصر مظهرا للرجولة في جميع ميادين الحياة، تقرأ تاريخ المسلمين فيملؤك روعة، وتعجب كيف كان هؤلاء البدو- وهم لم يتخرجوا في مدارس علمية، ولم يتلقوا نظريات سياسية- حكاما وقادة، إنما هي الرجولة التي بثها فيهم دينهم وعظماؤهم، هي التي سمت بهم وجعلتهم يفتحون أرقى الأمم مدنية وأعظمها حضارة، ثم هم لا يفتحون فتحا حربيا يعتمد على القوة المدنية، إنما يفتحون فتحا مدنيا إداريا منظما يعلمون به دارسي العدل كيف يكون العدل؟، ويعلمون العلماء الإدارة ويلقون بعلمهم درسا على العالم، إن قوة الخلق فوق مظاهر العلم وقوة الاعتقاد في الحق فوق النظريات الفلسفية والمذاهب العلمية، وأن الأمم لا تقاس بفلاسفتها بمقدار ما تقاس برجولتها، هل سمعت عطفا على الرعية وأخذ الولاة بالحزم كالذي روى أن معاوية قدم من الشام على عمر بن الخطاب فضرب عمر بيده على عضده، فتكشف له عضد بضة ناعمة، فقال عمر: هذا والله لتشاغلك بالحمامات، وذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسرات على بابك! أو هل سمعت قولا في العدل يحققه العمل كالذي يقوله عمر: إذا كنت في منزله تسعني وتعجز الناس، فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوة للناس، وهل رأيت حزما في الإدارة كالذي فعله في مسح سواد العراق وترتيب الخراج وتدوين الدواوين وفرض العطاء؟ حقا لقد كان عمر بن الخطاب في كل ذلك رجلا، ولئن كان هناك رجال قد امتصوا رجولة غيرهم ولم يشاءوا أن يجعلوا رجالا بجانبهم فلم يكن عمر من هذا الضرب، إنما كان رجلا يخلق بجانبه رجالا، فأبو عبيدة الجراح وسعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثه وكثير غيرهم كانوا رجالا نفخ فيهم عمر من روحه كما نفخ فيهم الإسلام من روحه وأفسح لهم في رجولته كما أفسح لنفسه في رجولته. ٣-أريد بالرجولة في الإنسان صفة جامعة لكل صفات الشرف، من اعتداد بالنفس واحترام لها وشعور عميق بأداء الواجب مهما كلفه من نصب، وعناية لما في ذمته من أسرة وأمة ودين وبذل الجهد في ترقيتها والدفاع عنها والاعتزاز بها وإباء الضيم لنفسه ولها. وهي صفه يمكن تحقيقها مهما اختلفت وظيفة الإنسان في الحياة، فالوزير الرجل من عد كرسيه تكليفا لا تشريفا ورآه وسيلة للخدمة لا وسيلة للجاه، أول ما يفكر فيه قومه وآخر ما يفكر فيه نفسه، يظل في كرسيه ما ظل محافظا على حقوق أمته، وأسهل شيء طلاقه يوم يشعر بتقصير في واجبه أو يوم يرى أن غيره أقوى منه في حمل العبء وأداء الواجب، يجيد فهم مركزه من أمته ومركز أمته في العالم، فيضع الأمور مواضعها ويرفض في إباء أن يكون يوما عونا للأجنبي عليها، فإذا أجبر على ذلك قال (لا) بملء فيه، فكانت (لا) منه خيرا من الألف (نعم)، وكانت (لا) منه وساما تدل على رجولته وكانت (لا) خير درس للناشئين يتعلمون منه الرجولة، يقتل المسائل بحثا ودرسا، ويعرف فيها موضوع الصواب والخطأ ومقدار النفع والضر، يقدم في حزم على عمل ما رأى واعتقد، لا يعبأ بتصفيق المصفقين ولا بذم القادحين، إنما يعبا بشيء واحد، هو صوت الضمير ونداء شعوره. والعالم الرجل من أدى رسالته لقومه عن طريق علمه، يحتقر العناء في سبيل حقيقة يكشفها أو نظرية يبتكرها، ثم هو أمين على الحق لا يفرح بالجديد لجدته ولا يكره القديم لقدمه، له صبر على الشدائد وازدراء للإعلان عن النفس وتقديس للحقيقة صادفت هوى الناس أو آثار تسخطهم جلبت مالا أو أوقعت في فقر، يفضل قول الحق وإن أهين على قول الباطل وإن كرم. والتاجر الرجل من يخدم وطنه بامانته في تجارته وسمته الذي يدل على خلقه، فيخدم وطنه وأمته من خلال تجارته، ولا يظلم في وزن أو كيل، الغش لا يعرف طريقه، فسمته العدل بين الناس في بيعه وشرائه.٤-والصانع الرجل من بذل جهده في صناعته، فلم يشأ إلا أن يصل بصناعته إلى أرقى ما وصلت إليه في العالم، يشعر بأنه وطني في صناعته كوطنية السياسي في سياسته، وأن أمته تخدم من طريق الصناعة كما تخدم من طريق السياسة، وأن الصناعة لا تقل في بناء المجد القومي عن غيرها من شؤون الدولة، وفي الرجولة متسع للجميع، فالزارع في حقله قد يكون رجلا، والتلميذ في مدرسته قد يكون رجلا، وكل ذي صناعة في صناعته قد يكون رجلا، وليس يتطلب ذلك إلا الاعتزاز بالشرف وإباء المذلة.
المزيدأسئلة مشابهة في استيعاب المقروء
وفقًا لما جاء في نهاية الفقرة (٦) فإن استخدام الرجولة في مجال الاقتصاد يكون بـ:
من الفقرة (٣) جملة (لا يفرح بالجديد لجدته، ولا يكره القديم لقدمه) يقصد بها:
العلاقة بين نشأة فكرة البرك الشمسية ومشاهدة البرك:
من الفقرة (١) إذا شربت قارورة ماء بريال واحد، فكم استهلكم من البترول مقابلها؟
من الفقرة (١) أين تقع القرنية بالنسبة للقزحية:
تابعنا على تيليقرام واستعد لاختبارك مع أهم التدريبات والنصائح!